الفوبيا (الخوف المرضي)
مقدمة:
في الغالب مر الإنسان بخبرة واحدة أو أكثر
من مشكلات الفوبيا المتنوعة مع ذلك، قد لا يحتاج إلى مساعدة من مختص مهني إلا إذا كانت
تتعارض مع مسيرة حياته .. وكان لا يستطيع أن يتغلب عليها إلا بمساعدة – كمن هو صاحب
شركات حول العالم ويحتاج للتواجد اسبوعيا أو شهريا في أي دولة من الدول ولكن فوبيا
الخوف من الطائرات منعته من التواجد والتفاعل الضروري لضبط بعض الأمور المهمة.
"وحقيقة أن كثير من الاطباء النفسيين يعتبرون (الخوف المرضي) جزءا من (القلق)، ولو أن الخوف قد ينشأ مرتبطا ببعض (الموضوعات والأشخاص) .. يشبه (القلق) (الخوف) من حيث ان (الخوف الشديد) ليس له ما يبرره، وأن الشخص يعرف ذلك ولكنه (يعجز عن التحكم في مخاوفه أو ضبط انفعاله) بصورة بناءة بما ينتهي به أيضا إلى (العجز عن ممارسة حياته العملية والاجتماعية). و(الخوف المرضي)، يمكن أن ينشأ كاستجابة ل(طائفة واسعة من الموضوعات التي لا تكون مفزعة في حد ذاتها كالعادة) ، وقد تكون هذه الموضوعات (حيوانات أو أماكن أو أشخاص أو مواقف اجتماعية) وتعتبر (القطط /الكلاب /الأماكن المرتفعة /المغلقة /الظلام /الدم /الموت /مواجهة الناس أو الحديث أمامهم/ الرفض النقد /الجنس الآخر/ الوحدة /الجنس الخ) . ضمن الاشياء التي كثيرا ما تكون موضوعات مخاوف مرضية" .
من المحتمل أن يكون الاكتئاب أكثر الاضطرابات
شيوعاً في الطب النفسي، وأن تكون حالات القلق هي في المرتبة التالية من حيث كثرة شيوعها،
بينما كانت حالات الخواف الحادة والوساوس هي أقل شيوعاً . لقد وجدت حالات القلق في
حوالي 3% من الناس في أمريكا وأوروبا . بينما كانت نسبة حالات الخواف المسببة للإعاقة
في فرمونت 2%من الناس فقط.. ولعلنا لا نتجاوز الاعتدال في الراي إذا قلنا إنه من الارجح
أن تبدأ الاضطرابات الإكتئابية ، وان يزداد تكرار حدوثها عندما يتقدم بنا السن . وعلى
العكس من ذلك فإن حالات القلق، والخوف، والوساوس تبدأ في الأغلب في سن مبكرة من حياة
الراشدين.
تعريف الفوبيا الخوف المرضي:
"هو خوف مرضي دائم من وضع أو موضوع
(شخص أو شيء أو موقف أو فعل أو مكان) غير مخيف بطبيعته، ولا يستند إلى اساس واقعي،
ولا يمكن ضبطه أو التخلص منه أو السيطرة عليه، ويعرف المريض انه غير منطقي، ورغم هذا
الخوف يتملكه ويحكم سلوكه، يصاحبه القلق والعصابية والسلوك القهري".
مدى حدوث الخواف والشخصية قبل المرض:
يمثل مرض الخواف حوالي20% من مجموع مرضى
العصاب. ويحدث الخواف بنسبة أكبر لدي الأطفال والمراهقين وصغار الراشدين.. والخواف
اشيع لدي الإناث منه لدي الذكور .. وتتسم الشخصية قبل المرض بالعصابية والتطرف في الأنانية
والتمركز حول الذات والإنطواء والتشاؤم والخجل والجبن.
نبذة عن ان الفوبيا (الرهاب أو الخوف)..
• أحد انواع الأمراض (النفسية العصابية)
..
• وهي تتميز بما يسود صاحبها من خوف مرضي
شبيه بالرعب ليس له أي مبرر واقعي، أو منطقي..
• ولا يتكافأ الخوف مع المثير المزعوم لا
كما ولا كيفاً ..
• ويمكننا القوم ايضاً بأن الخوف هو خوف
مرضي من موقف أو موضوع غير مخيف بطبيعته، ولا يستند إلى أساس واقعي.
• ولا يمكن ضبطه أو التخلص منه أو السيطرة
عليه. وبالرغم من أن المريض يعرف أنه غير منطقي. ورغم هذا فإن الخوف يمتلكه ويحكم سلوكه
.
• ويصاحبه (القلق / والعصابية / والسلوك
القهري) .
• والخوف يعتبر أكثر (الأمراض النفسية)
انتشاراً بصفة عامة وعن الأطفال بصفة خاصة .
• يمثل (نقطة البداية) في كثير من حالات
الذهان والعصاب ..
• بالإضافة إلى انه (عاملا مشتركا) بين
الحالات (العصابية / والذهانية) .
تتسم المخاوف المرضية كما يأتي:
• تبدأ المخاوف من خبرة أليمة في الطفولة
أثرت في الطفل تأثيراً مخيفاً أو مثيراً للقلق.
• هذه الخبرة تصبح مكبوتة في اللاشعور فلا
يستطيع الفرد تذكرها ولكنه يستطيع استرجاعها في العلاج النفسي.
• ثم كبت هذه الخبرة الأليمة لأنها تثير
الشعور بالذنب أو الشعور بالخزي أو لا يمكن تقبلها.
• يتم إزاحة الخبرة المخيفة من (الموضوع
الاصلي) إلى (موضوعات بديلة) ترمز للموضوع الأصلي مثال (خوف من صورة الأسد بدلاً من
الخوف من الاب).
• يكون الفرد واعياً بأن خوفه المرضي خوف
سخيف خاطئ لا مبرر له ولكنه يعجز عن مقاومته أو التخلص منه.
ومن هنا نعلم ان هذا الشخص يعجز عن التحكم
في مخاوفه أو ضبط انفعالات الخوف و الغضب مما يؤدي إلى عجزه واسقاط هذه (المهددات الداخلية)
إلى (مهددات خارجية) لا شعورياً حيث يتم ازاحة الانفعال الخاص بالخوف من مصدره الأصلي
الى مصدر بديل أكثر قبولاً .. فمثلاً الخوف من المدرسة هو مصدر بديل لقلق الطفل في
الانفصال عن أمه .. وهكذا .
مفهوم الفوبيا :
ومما ذكر فإن مفهوم الفوبيا له معان كثيرة
منها:
• الفوبيا هي "ازاحة (مهددات داخلية)
إلى (مهددات خارجية) ازاحة لا شعورياً .
• أو ان الفوبيا هي "رعب مبالغ فيه
من موضوع أو موقف ما لا يمثل في حد ذاته تهديداً حقيقياً".
• يرى علماء النفس ان الفوبيا هي"فكرة
متسلطة وهذه الفكرة ملحة وغير منطقية".
• الفوبيا هي "خوف من مصادر ليست هي
بالمصادر الحقيقة للخوف حيث أن الخوف العادي من مصادر حقيقة هو غريزة ضمن غرائز الإنسان
(غريزة الخوف) ولكن من مصادر حقيقة كالخوف من الحيوانات المفترسة وغيرها والتي تسبب
تهديداً حقيقياً للإنسان".
مظاهر وصور الرهاب الاجتماعي :
من مظاهره الخوف المستمر الذي قد يرافقه
أعراض أخرى ، كالصداع وألم الظهر واضطرابات المعدة والإحساس بالعجز ، والشعور بالقلق
والتوتر ، وخفقان القلب ، والشعور بالنقص ، وتصبب العرق ، واحمرار الوجه ، ،وتوقع الشر
، وشدة الحذر والحرص ، أو التهاون والاستهتار ، والاندفاع وسوء التصرف ،والإجهاد ،
والإغماء ، وزغللة النظر ، والدوار ، والارتجاف ، والتقيؤ ، والاضطراب في الكلام ،
والبوال أحيانا ، والعزلة ، والانغماس في الاهتمامات الفردية لا الجماعية ، كما أن
من ظاهره التصنع بالشجاعة والوساوس والأفعال القسرية ، وأحيانا الامتناع عن بعض مظاهر
السلوك العادي ، وخوف الفرد من الوقوع في الخطأ أمام الآخرين، كما يزداد خوفه كلما
ازداد عدد الحاضرين - وليست كثرة الناس شرطا لحدوث الرهاب الاجتماعي إذ انه يحدث الرهاب
للفرد عند مواجهة شخص واحد فقط – وتزداد شدة الرهاب ،كلما ازدادت أهمية ذلك الشخص ،
كحواره مع رئيسه في العمل مثلا .. ،
وليس بالضرورة أن تكون كل هذه المظاهر ، تصاحب كل
حالة رهاب ، ولكن تتفاوت بحسب الحالة ودرجة الرهاب ، وعمر الحالة ، وطبيعة البيئة التي
يعش فيها الفرد وقد يوجد بعض المصابين بهذا العرض ، يتشبث
بصحبة شخص معين بالذات ، كأمه أو أبيه أو صديقه ،والمريض الغني الخائف من الموت يتشبث
بوجود طبيب دائما إلى جواره ، ومعه العلاج المناسب لكي يقي نفسه خطر الموت كما يتصور
.
كما قد يكون الرهاب معطلاً للنشاط ،فيمتنع
المصاب به عن الذهاب إلى العمل أو المدرسة لعدد من الأيام ، كما أن كثيرا ممن يعانون
من الرهاب الاجتماعي ، يقضون وقتاً صعباً في ابتداء الصداقات أو المحافظة عليها .
ويمكن القول - بصورة عامة - أن هذا الاضطراب المزمن ، يعطل الفرد وطاقاته
، في مجال السلوك الاجتماعي ، فهو يجعله منسحباً منعزلاً خائفاً ، لا يشارك الآخرين
، ولا يستطيع التعبير عن نفسه ، كما يصبح أداءه المهني أو الدراسي أقل من طاقاته وقدراته
، إضافة إلى ذلك ، فإن المعاناة الشخصية كبيرة ، والمصاب به ويتألم من خوفه وقلقه ونقصه
، وقد يصاب بالاكتئاب وأنواع من القلق والسلوك الإدماني
.. ونحو ذلك .
مسميات
الرهاب الاجتماعي :
يطلق
عليه عدة مسميات منها : الفزع ، الرهاب ، الخوف المرضي، الخُواف ، المخاوف المرضية
، الخوف الاجتماعي المرضي ، القلق الاجتماعي المرضي (الاحمد :1426هـ ,1)
انتشار الرهاب الاجتماعي :
انتشار الرهاب الاجتماعي :
تشير الكثير من الدراسات الى ان نسبة انتشاره تتراوح بين 7%-14% في اغلب المجتمعات، وهو اضطراب مزمن ومعطل ،ولكنه قابل للعلاج ، ويظهر عند الإناث والذكور بنسبة 2 إلى 1 ، كما يظهر عادة في سن الطفولة أو المراهقة ، وهو يترافق مع اضطرابات القلق الأخرى ومع الاكتئاب ، فيحين تشير بعض الدراسات العربية ، إلى أن هذا الاضطراب واسع الانتشار في مجتمعاتنا العربية ..، وتصل نسبة المصابين به ، من مرضى العيادات النفسية إلى حوالي 13 % من عموم المرضى ، المراجعين لتلك العيادات .
انواع الفوبيا:
يقسم "فرويد" المخاوف إلى قسمين
كبيرين:
الأول : يسميه (المخاوف الموضوعية أو الحقيقية).
حيث يرتبط الخوف بموضوع معين ، كالخوف من الحيوان أو الظلام.. الخ.
والثاني: يسميه (المخاوف العامة او غير المحددة).
بمعنى يرتبط الخوف باي موضوع .
فحالة الخوف تكون كأنها هائمة عائمة لا
تستقر على موضوع ما. وصاحب هذه الحالة متشائم حزين يتوقع الشر والرعب وسوء الطالع في
أي لحظة وفي أي شيء. ويسمي فريد هذه الحالة بإسم (القلق العصبي).
**ويقسم آخرين المخاوف بحسب واقعيتها ومثيراتها
إلى قسمين:
أولاُ: (المخاوف الحسية او الواقعية).
ثانياً: (المخاوف الوهمية أو الذاتية أو غير الحسية).
• أكروفوبيا: الخوف المرضي من الأماكن والمناطق المرتفعة.
(Acrophobia).
• أجروفوبيا: الخوف المرضي من المساحات الخالية أو الخلاء
الواسع الفسيح.(Agorophibia).
• ايليروفوبيا: الخوف المرضي من القطط Ailurophobia.
• انثروفوبيا: الخوف المرضي من الإنسان
وبشكل خاص من الرجال Anthrophobia.
• استرافوبيا: الخوف المرضي من البرق
Astraphobia.
• كلوستروفوبيا: الخوف المرضي من المناطق المغلقة Claustrophobia.
• سينوفوبيا: الخوف المرضي من الكلاب Cynophobia.
• هيماتوفوبيا: الخوف المرضي من
الدماء.
• هبربتوفوبيا: الخوف المرضي الزواحف ( أفاعي، عقارب،
صراصير، سحالي، الخ) Herpetophobia.
• بيكروفوبيا: الخوف المرضي من الجثث.
• نيكتوفوبيا: الخوف المرضي من الظلام
بما يلي في ذلك الغرف المعتمة حتى في وضح النهار.
• اوكلوفوبيا: الخوف المرضي من الزحام.
• باثوفوبيا: الخوف المرضي من الأفاعي.
• فوبوفوبياً: الخوف المرضي من الخوف.
• ذوفوبيا: الخوف من الحيوانات بأنواعها zoo phobia.
• ميسوفوبيا: الخوف من أي شيء يمكن
أن يلوث جسم أو ثياب الإنسان أو يلوث (روح) الإنسان. Mysophobia.
• أقوافوبيا: الخوف من الماء Aquaphobia.
• باكتيريافوبيا : الخوف من الجراثيم والبكتيريا ( وسوسة
النظافة) Bacteriophobia.
• برونوفوبيا: الخوف من الرعد Bronophobia.
• ديمونوافوبيا: الخوف من الشياطين والجن والأرواح الشريرة
Demonophobia.
• نيمبرفوبيا: الخوف من الأرقام (التشاؤم من الأرقام)
Numero phobia.
• آنثوفوبيا: الخوف من مشاهدة الأزهار والورود Anthophobia.
• إكونوفوبيا: الخوف من الخيل (الحصان) Equinophobia.
• بيروفوبيا: الخوف من النار pyro phobia.
• الخوف من الطائرات "تحدث عنها د.
طارق الحبيب ".
تشخيص الفوبيا:
• يجب اولا التفريق بين الخواف (العادي/أو
والمرضي) وك(مرض /او كعرض).
>الخوف العادي:
• غريزي.. وهو حال يحسها كل انسان في حياته
العادية حيث يخاف مما يخيف فعلاً وهو "انفعال تثيره المواقف الخطرة أو المنذرة
بالخطر الذي يصعب على المرء مواجهتها".
• نمط من (السلوك الإنفعالي) الذي يتميز
بمشاعر قوية ذا طبيعة غير سارة ومصحوبة باستجابات جسمية حركية.
• إذن فالخوف العادي هو خوف موضوعي أو حقيقي
.. من خطر حقيقي يدفع الفرد إلى أن يتصرف في هذه المواقف بشكل حقيقي).
>الخوف المرضي:
• مرتبط بموضوعات او مواقف ليس بها تهديداً
أو خطراً أو أذى ظاهر .
• وهو خوف مستمر أو متطرف ذا طبيعة غير
معقولة وغير منطقية .
• وهو انفعال تثيره مواقف ليست بالخطرة
أو المنذرة بالخطر .
• ولكي يواجهه يسلك سلوكا قهرياً ويتصرف
بشكل غير حقيقي.
أعراض الفوبيا:
يستجيب المريض بالرعب الشديد لمواقف أو
موضوع معين لا يمثل في حد ذاته مصدراً للقلق .. وتظهر على المريض (مجموعة الاعراض)
التالية :
والتي تختلف في حدتها طبقاً لخطورة المصدر
ودرجة استجابة المريض لها:
• سرعة (دقات القلب).
• دوار وشعور ب(الضيق).
• (الشعور بالنقص) وعدم (الشعور بالأمن).
• القلق والتوتر.
• الامتناع عن بعض مظاهر السلوك العادي
حيث يصبح للمريض عائقاً مثل (الامتناع عن الأكل في المطاعم ،. الامتناع عن مغادرة المنزل
خشية مواجهة الناس فيما يسمى بالفوبيا الاجتماعية).
• (السلوك التعويضي) مثل (النقد / والسخرية/
والتهكم/ وتصنع الوقار / والجرأة/ والشجاعة).
• (الأفكار
الوسواسية) و(السلوك القهري).
هذا .. وعند تشخيص أعراض المريض يجب أن
نفرق بين ..
(الخوف العادي/والخوف المرضي/ والخوف كمرض
أو الخوف كعرض لأمراض أخرى كمرض (الاكتئاب أو الوساوس أو القهر أو الهذاء) .
ويجب التفريق بين (القلق) و(الخوف). حيث
ان المريض بالفوبيا يستطيع السيطرة نسبيا على القلق ويربطه بموضوع خارجي والدفاعات
الرئيسية هي (الكبت / الإزاحة / التجنب).
أسباب الفوبيا:
ليس هناك سبب محدد بعينه ، ولكن وجود استعداد
في الشخصية ، مع أساليب تنشئة وتربية خاطئة قائمة على التوبيخ واللوم المبالغ فيه ،
قد تقود لمثل هذا العَرَض ، وقد يكون الشعور بالإثم – كما يشير بعض الباحثين – ينعكس
على شكل خوف أو فزع في الأفعال أو الأعمال من بعض الأمراض ، أو خوف العواصف والرعود
والحروب والزلازل ، وقد يكون بسبب فعل منعكس عزز منذ الطفولة فعمم الفرد تلك الخبرة
على مواقف مشابهة أو غير مشابهة لذلك الموقف السابق
وهذا الاضطراب يظهر مبكراً ، في سن الطفولة
، أو بداية المراهقة ، حيث وجدت دراسات مختلفة ، أن هناك مرحلتين يكثر فيهما ظهور هذا
الاضطراب : مرحلة ما قبل المدرسة على شكل خوف من الغرباء ، و المرحلة الأخر بما بين
سن 12-17سنة على شكل مخاوف من النقد و التقويم الاجتماعي والسخرية ، وهو مما يتصف به
المراهق عادة .
و بالرغم من أن الإصابة بالرهاب الاجتماعي
، تحدث في هذه المراحل المبكرة ، إلا أنه يعتبر أيضاً من الاضطرابات النفسية المزمنة
، والتي قد تستمر عشرات السنين إذا لم تعالج ، خاصة أن بعض المصابين بالرهاب الاجتماعي-
حتى مع علمهم بهذه الحالة - قد يتأخرون في طلب المساعدة والعلاج سنين عديدة ، إما بسبب
خجلهم من الحالة نفسها ، أو خوفاً من مواجهتها و الاعتراف بوجودها .
ولعل سبب كثرة انتشاره ، في مجتمعنا العربي
عامة والخليجي خاصة ، يرجع إلى أساليب التنشئة الأسرية والتعليمية الخاطئة في مراحل
الطفولة ، حيث يعمد الأب إلى طرد ابنه من المجلس (صالة الضيوف) ، بحجة أنه مازال صغيرا
، ولا ينبغي له الجلوس مع الكبار !! فهذا عيب ، كما ينهره حين التحدث أمام الكبار ،
فهذا من قلة الأدب ، كما أن الرجل لا يصطحب معه طفله ، في المناسبات الأسرية والاجتماعية
، لأن هذا عيب ، إذ كيف يحضر أطفاله (بزرانه) ، مع الضيوف والكبار ؟!! إنه عيب اجتماعي
كبير !! ، ومنها زجر الطفل بكلا مقاس وشديد وبصوت مرتفع حينما يخطئ ولو بشي تافه ،
ومنها نهر الابن حينما يخطئ في صب القهوة والشاي للضيوف ... الخ ، وما يقال عن الأب
، يقال عن الأم مع بناتها وأطفالها ، إلا أن هذه الأساليب الخاطئة ، بدأت تختفي تدريجيا
ولله الحمد ، لكنها لا تزال بصورة أو بأخرى موجودة في الأرياف .
كذلك من أسبابها ما يحصل في المواقف التربوية
المدرسية ، حين يعمد المعلم أو المعلمة ، إلى تعنيف الطالب أو الطالبة ، حين يتطوع
للإجابة ويخطئ أو تخطئ الإجابة ، بل وجعل زملائه وزميلاتها أحيانا يسخرون منه أو منها
ببعض الحركات التهكمية ، وبالتالي يحجم أو تحجم عن المشاركة في المناقشة فيما بعد ،
حيث نعاني من قلة المشاركة ، من قبل طلبة وطالبات الكلية ، ولعل هذا من الأسباب !!
.
ومنها أسلوب المعاملة ، والذي يغلب عليها
لتحقير والإهانة ، حين يقدم الابن أو البنت ، في المبادأة في عمل أو إنجاز ، أو طرح
فكرة مشروع أو رأي ، ونحو ذلك فيقابل بهذا الأسلوب من قبل الكبار ، سواءً كانوا آباء
أو أمهات أو معلمين ومعلمات !! .
ومنها أساليب التحذير المبالغ فيها ،للبنين
والبنات ، من أمور شتى ، ومنها استخدام الأساطير ، المشتملة على مواقف مرعبة ومخيفة
، ومنها استخدام الرموز الافتراضية ، لأجل كف أو منع أو تهديد الأطفال من بعض المواقف
، مستخدمين في ذلك مثل هذه الرموز (الحرامي ، العفريت ، الجني ... الخ ) .
ومنها ظروف البيئة المنزلية ، وما يكتنفها
من مشاجرات ، وخصام وسباب وشتيمة، بين أفراد الأسرة ، ويزداد الأمر سوءا ، حين يكون
بين الأبوين وأمام الأطفال ،فيخرج الطفل من هذه البيئة ، وهو يشعر بتصور عن العالم
من حوله، أنه ملئ بالمشكلات والتهديد ، فينعكس على شخصيته المتوجسة للخوف ، والتي تعيش
هاجسه ، في بيئة فقدت الأمن ، وبالتالي كَثُر الهم والحزن ، ولذا نجد أن الله جل وعلا
، نفى عن عبادها لصالحين ، كلا النوعين في يوم القيامة ، في أكثر من خمسة عشر موضعا
، قال تعالى : { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
}البقرة 38.
وترجع مدرسة التحليل النفسي الرهاب ، باعتباره
تعبير عن حيلة دفاعية لاشعورية ، حيث يحاول المريض عن طريق هذا العَرَض ، عزل القلق
الناشئ من فكرة أو موضوع أو موقف مرَّ به في حياته ، وتحويله إلى موضوع رمزي ، ليس
له علاقة بالسبب الأصلي ، والذي غالبا يجهله المريض ، فالرهاب إذن عبارة عن عملية دفاع
، لحماية المريض من رغبة لا شعورية عدوانية أو مستهجنة في الغالب .
يرجع الخوف إلى عدة أسباب وهي :
1. بعض الآباء وخاصة الأمهات: من قبيل المعاقبة
أو التهديد يقومون بزرع الخوف في قلوب الأطفال كالتخويف بالعفاريت والحيوانات والحشرات.
فمثلاً حينما يريد الطفل أن يلعب مع أقرانه من الأطفال .. لخوف الأم على الطفل تبدا
في تخويفه منهم أو الحيوانات التي سوف تهاجمه ان خرج .. فتصبح ذكريات اليمة مكبوده
داخله .. او عقابه في وضعه في غرفة مظلمة.. فتتولد لديه مخاوف عصابية. وهكذا تشكل
"التنشئة الاجتماعية" شخصية الطفل ودرجة مخاوفه .
2. الظروف الاسرية المضطربة: الشجار والانفصال
والطلاق وعصابية الوالدين والمشاكل الزوجية المتعددة كلها تضفي وخاصة على الطفلة الخوف
والرهبة من الزواج.
3. الخوف لدي الكبار: الكبار المصابين بالفوبيا
فتنتقل للأطفال نتيجة تواجدهم في محيطهم .. فكلما كانت درجة التوحد بين الأطفال والآباء
ادى ذلك إلى نقل بعض (الأمراض العصابية) منها الخوف المرضي.
4. حالات النقص والقصور: (الجسمي والعقلي)
والرعب من المرض .. والفشل المبكر في حل المشكلات كلها عوامل تؤدي إلى المخاوف من مواجهة
الآخرين والتفاعل وتكوين علاقات اجتماعية معهم.
5. الشعور بالإثم: وما يربط به من مخاوف
مثل خوف المريض من الأمراض الجنسية نتيجة شعوره بالذنب الناجم عن اتصال جنسي محرم أو
خوف من الاتصال الجنسي لضعف قدرته الجنسية.
6. التعلم الشرطي: كما يراه المدرسة السلوكية
ف"الخوف المرضي" الذي حدث نتيجة خبرة مخيفة في فترة الطفولة (المثير الأصلي
للخوف وارتباطه بمثير شرطي). حيث تنتقل استجابة الخوف من (المثير الاصلي الذي سبب الخوف)
إلى (مثير اقتران به) مثال/ الطفل الذي تعرض إلى (عضة الكلب) في (الظلام) ف(الظلام)
مثير شرطي ارتبط بالمثير الاصلي وهو (عضة الكلب) فرؤية الظلام تسبب نفس الألم وهو
(الخوف المرضي) .
7. وقد يكون دفاعا عن رغبة جنسية أو عدواني: قد تشعر امرأة بالخوف من الوحدة ويكون هذا الخوف دفاع لحمايتها من احتمال قيامها بعلاقة جنسية محرمة ترغب فيها لا شعوريا.
الوقاية من الفوبيا:
1. منع مثيرات الخوف (الخبرات والحكايات
وغيرها) والحيلولة دون تكوين الخوف الشرطي.
2. التعويد العادي والخبرة والممارسة والتجريب
في الخبرة السارة غير المخيفة .. وأن يجعل الطفل يمارس اللعب أو العمل أو الاحتكاك
بالأشياء التي تسبب الخوف المرضي واعتباره عادي كأن تعوده على "الكلاب والحيوانات
الأليفة والظلام والأماكن المرتفعة .. وغيرها" .
3. يجب على الآباء ألا يعلقوا على اطفالهم
.. فإذا ما تعرض الطفل لأي خبره مخيفة وجب على الآباء أن يشرحوا في هدوء لأبنائهم عن
عدم أهمية هذا المصدر المخيف وأنه ليس بالمصدر الحقيقي للخوف.. حتى نزيل الخوف منهم
بدل من التحول إلى صور مكبوتة في اللاشعور.
4. على الآباء أن يقللوا من تحذيراتهم أو
المبالغة في النقد ومنع الاستهزاء لأطفالهم . ويجب ألا يطلع الأبناء على المشاكل والمشاحنات
التي تحدث بين الوالدين.
5. عدم خوف الكبار وخاصة الوالدين .. حتى
إذا كان هناك خوف مرضي لدي الوالدين ألا يظهراه أمام ابنائهم حتى لا ينتقل الخوف إلى
الابناء عن طريق التقليد او توحد الابناء مع آبائهم
علاج الخوف :
لقد ظهرت في السنوات الحديثة طرق فعالة
من (العلاج السلوكي) تؤدي إلى شفاء دائم من الخوف، وهذا المنحى من العلاج، على خلاف
الطرق القديمة للعلاج بالتحليل النفسي. حيث *لا يستكشف خيالات المريض اللاشعورية.
*ولا يوجد فيه بحث عن معان خفية. إن تفاصيل المواقف المخيفة تستخرج من المريض بدقة
من اجل وضع خطة لإعادة تقديمه إلى هذه المواقف من جديد لكي يتعلم أن يظهر (التحمل)
بدلاً من (الخوف). إن أغلب (الطرق السلوكية) تستخدم بعض الوسائل لإقناع الخواف على:
• (الدخول في موقف خوافة).
• وأن يبقى فيه حتى يشعر بتحسن.
• وعلى أن يكرر القيام بذلك بكثرة حتى يصبح
متعوداً عليها تماماً.
• وبحيث لا يبقى لديه أي خوف منها.
• إن المبدأ وراء كل هذه الطرق المتعددة
هو تعريض الخواف للموقف الذي يخيفه حتى يصبح متعوداً عليه.
حالة1:
"كانت (جين) وهي امرأة متزوجة في سن
الأربعين، مصابة بخواف (الاماكن المفتوحة أو المزدحمة) لمدة خمسة عشر عاماً. ولم تكن
في السنة الأخيرة قادرة على مغادرة البيت بدون زوجها . وقد اتفقت مع المعالج على أنها
تريد أن تحقق عند نهاية العلاج هدفين رئيسين هما:
• أن تعبر بمفردها شارعاً مزدحماً بصورة
متوسطة.
• وأن تقوم بشراء بعض المشتريات من المحلات
التجارية الصغيرة المجاورة بدون أن تعبر الشوارع.
بدأ العلاج بان سار معها المعالج إلى الطريق
خارج المستشفى وساعدها على عبوره.
• وقد كررا القيام بذلك عدة مرات.
• وكان المعالج يبتعد عنها بالتدريج، فكان
في أول الأمر يبتعد عنها بضعة ياردات قليلة ثم يبتعد بعد ذلك مسافات أكبر، بينما كانت
هي تعبر الطريق بمفردها وهو يراقبها. وفي نهاية الساعة ونصف الساعة الأولى من جلسة
العلاج كانت جين مسرورة جداً ومندهشة من أدائها، ومن مقدار ما كانت تشعر به من الهدوء
الكثير بالمقارنة بالمرة الأولى التي عبرت فيها الطريق.
• وقد طلب منها أن تتدرب على عبور الطرق
القريبة من بيتها والتي تكون مماثلة لهذا الطريق في كشافة حركة المرور.
• وقامت في الجلسة الثانية برحلات مماثلة
إلى خارج المستشفى، ولكنها كانت في أغلب هذه الرحلات بمفردها، كما أنها كانت على مسافات
أبعد من المستشفى. وقد ذكرت أنها كانت لا تزال تشعر بخوف في أثناء وجودها في الشوارع،
ومازالت مستمرة في أن تكون قريبة من الناس. كما قامت إحدى صديقاتها – في أثناء فترة
الغذاء وهي في العمل- بمساعدتها على عبور الطريق.
• وقد طلب منها الآن تركب اوتوبيس بمفردها
عندما تذهب إلى العمل، وعندما تعود منه، بدلاً من الاعتماد على الانتقال مع الناس.
• وقد وضعت هي والمعالج خطة للقيام بمسيرات
ورحلات الأوتوبيس مسافات طويله، أطول فيما بين الجلسات.
• وفي نهاية الجلسة الثامنة كانت جين تقوم
بمشترياتها منفردة في الشوارع المجاورة بطريقة منظمة بدون الشعور بقلق، كما أنها تحسنت
بالنسبة لعبور الشوارع المزدحمة بدرجة متوسطة وغادرت جين المستشفى عند هذه المرحلة،
ولكنه طلب منها أن:
• تستمر في أن تضع لنفسها أهداف لتقوم بإنجازها.
• وأن تعود بعد ستة أشهر للمتابعة.. استمر
تحسنها في أثناء المتابعة، وأصبحت قادرة على ان تفعل أشياء كثيرة بمفردها .
العلاج المدرسة السلوكية..
بتعريض المريض تدريجياً عن طريق التحصين
التدريجي لمصدر الخوف مع التشجيع والمناقشة العقلانية والاندماج ..فمن يخاف من الظلام
يتم تعريضه للظلام تدريجيا حتى يحدث كف لاستجابة الخوف من الظلام .
او بطريقة الغمر .. بعرض المريض مرة واحدة
للظلام فيحدث الكف.. مع تقديم الأدوية لتفادي حدوث ازمة الصدمة الانفعالية .
حالة 2 :
قدم (جون واطس) تجاربه على (البرت الصغير
والفأر) تتلخص:
انه اختار رضيع في سن (التسع اشهر).. وعرض
عليه حيوانات "كلب/ارنب/قرد" بطريقة فجائية .. لاحظ انه كان يصل إلى هذه
الحيوانات ويلمسها دوت خوف.. وعندما احدث صوتا عاليا مزعجا فإن ذلك يحدث خوفا شديداً
يصاحبه بكاء البرت..
وبلغ (البرت) الحادي عشر شهر .. وكرر (العملية
7 مرات) .. تلا ذلك ان مجرد ظهور الفأر يكون رد الفعل مشابه للخوف الشديد الذي (يظهر
على البرت عند سماع الصوت المزعج ).. ولاحظ واتسن ان اثر الخوف انتقل إلى الحيوانات
الأخرى.. ولكن بدرجات متفاوته.
واكملت (ماري جونز) الشرط كعلاج هذا (الخوف
المكتسب).. عن طريق عملية (الإشراط المباشر) حيث يربط موضوع الخوف بمثير يستثير (استجابة
سارة) واستخدمت الحلوى .. واثناء انشغال الطفل بالحلوى يظهر الحيوان بعيدا عنه.. ومع
(تكرار هذه الموقف) يقترب الحوان من الطفل رويداً رويداً مرة بعد مرة . وقد لوحظ ان
الطفل بدأ يتقبل وجود الحيوان الذي يخافه .. وقد كانت جونز حريصة بتقديم المثير تدريجياً
.. لئلا يحدث عكس المراد .. ويرتبط الخوف بالحلوى.. وقد يعمم إلى كل الوان الطعام
(بيتش 1969م) وهذه الملاحظة مهمة بالنسبة لطريقة حديثة من طرق العلاج النفسي .. وفي
طريقة العلاج السلوكي.
الخاتمة:
يمكننا أن نأخذ نقيض الخوف، فانعدام الخوف
في شخص ما أمر غير عادي، وهو نادر للغاية، ويغلب أن يكون سببه قلة الإدراك. وذلك كالطفل
الذي يكون في سن الثانية ويرى لأول مرة في حياته عقرباً تجري قد يظنها –كما حدث بالفعل-
لعبة لطيفة يحسن امساكها واللعب بها. والسبب في ذلك أن الطفل لا يدرك خطر هذا الكائن
المتحرك غير المألوف.
وكثيرا ما يحدث أن يكون الطفل (ضعيف العقل)
فيقوم بأعمال تدل على عدم ادراكه مواقف الخطر أو الضرر.
ومن امثلة ذلك أن طفلا ضعيف العقل قفز ذات
مرة من الطاق الثاني في منزله إلى الطريق العام.
نرى مما تقدم أن لدينا خوفا معقولاً من
حيث درجته، والخوف الطبيعي المعقول مفيد لسلامة الفرد. ومبلغ تكرره، واكتمال حلقاته
من انفعال ويلوك. ولدينا خوفاً شاذاً . وأما ماعدا ذلك فهو ضار بشخصية الفرد وسلوكه.
المراجع :
1. د. فوزي محمد جبل - (الصحة النفسية وسيكولوجية
الشخصية) –المكتبة الجامعية اسكندرية – 2000م .
2. د. حامد عبد السلام زهران-(الصحة النفسية
والعلاج النفسي)-الشركة الدولية للطباعة –عالم الكتب – الطبعة الرابعة- 1426هـ-2005م-
القاهرة.
3. د. حامد عبد السلام زهران-(علم نفس النمو)–عالم
الكتب - الطبعة السادسة -1425ه/2005م-القاهرة.
4. د. عبدالستار إبراهيم - (العلاج النفسي
السلوكي المعرفي الحديث)– دار العربية للتوزيع والنشر- القاهرة.
5. د. عبد العزيز القوصي-(أسس الصحة النفسية)-الطبعة
الرابعة–مكتبة النهضة المصرية-1371ه/ـ1952م- القاهرة.
6. إيزاك م. ماركس - (التعايش مع الخوف)
- ترجمة د. محمد عثمان نجاتي. دار الشروق.
7. د.ميادة (طبيبة استشارية نفسية) ظهرت
في برنامج سعودي "الدكاترة"- قناة السعودية الثلاثاء 10/12/2012م.
·
Bourne،
Edmund J. (2011). The
Anxiety & Phobia Workbook 5th ed. New Harbinger Publications.